معالي وزير الصحة والسكان؛ ممثلو وزارة المالية، ومصلحة الضرائب، السيد الرئيس، السيدات والسادة الضيوف؛ صباح الخير.
أولاً وقبل كل شيء، أود أن أشكر وزارة الصحة والسكان لتنظيم هذا الحدث في الوقت المناسب للتركيز على استخدام التبغ، وهو أكثر سبب منفرد للوفاة يمكن توقيه. وأود أيضا أن أعرب عن تقديري لوزارة المالية ومصلحة الضرائب ووزارة التموين والتجارة الداخلية، ومصلحة الجمارك، والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والأوساط الأكاديمية من جامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية، ومنظمات المجتمع المدني، ورؤساء المستشفيات الحكومية العامة لمشاركتهم في هنا اليوم ودعم هذا الحدث الهام.
ويطيب لي كثيرا أن أكون هنا اليوم، مشاركاً في دعم إصدار ثلاث دراسات بارزة حول التبغ في مصر. وتقديم النتائج التي توصلت إليها الدراسات من بيانات مستندة إلى الأدلة حول بعض التحديات الاقتصادية الرئيسية التي تواجه مكافحة التبغ في مصر؛ والخسائر الصحية للتبغ وتجارة التبغ غير المشروعة والشيشة وتعرض غير المدخنين للتبغ واستخدام التبغ بين الشباب.
إن استخدام التبغ في جميع أنحاء العالم يؤدي إلى وقوع حوالي 6 ملايين وفاة كل عام. وهو يؤثر على أضعف فئات الناس في مجتمعاتنا، ولا سيما الفقراء والشباب. ولا يقتصر تأثيره على إفقار العديد من المستخدمين له، ولكنه يضع أيضاً عبئاً مالياً هائلاً على أسرهم، وعلى البلدان التي يعيشون فيها. وهذا يشمل تكاليف الرعاية الصحية المتزايدة، وفقدان القدرة الإنتاجية بسبب المرض والوفاة المبكرة.
وتقدم الدراسات التي صدرت اليوم دليلاً قيماً على عبء التبغ في مصر، مما يمكّن واضعي السياسات من اتخاذ قرارات مستنيرة. وأهنئ وزارة الصحة والسكان وجميع الشركاء الآخرين المشاركين في إصدار هذه النتائج، لأنهم سيرشدونا إلى كيفية مكافحة التبغ في مصر.
وتبرز نتائج الدراسة الأولى المتعلقة بتكاليف التبغ الصحية المعلومات التي نعرف صحتها على الصعيد العالمي– فالتبغ هو القوة الدافعة للوباء المتفاقم للأمراض المزمنة مثل أمراض الرئة وسرطان الرئة، ومرض القلب الاقفاري والسكتة. وهذا يضع ضغوطا متزايدة على النظام الصحي في مصر، وعبئا اقتصاديا كبيرا على المجتمع والفرد.
أما الدراسة الثانية التي صدرت اليوم فتكشف أن التجارة غير المشروعة للتبغ قد أصبحت مشكلة كبرى في مصر. وأن حصة سوق السجائر غير المشروعة قد ازداد على نحو جسيم من 2% في عام 2009 إلى ما يقرب من 20% في عام 2013. وهذا لا يمثل تهديدا كبيرا للصحة العمومية فقط عن طريق زيادة الحصول على منتجات التبغ الأرخص سعراً، لا سيما للفقراء والشباب؛ بل إنه يقلل أيضاً من الإيرادات الحكومية، مما يمثل خسائر قاربت 4 بلايين جنيه مصري في عام 2013 وحده.
أما الدراسة النهائية فقد ركزت على استخدام منتجات التبغ بين طلاب الجامعة، وتناولت خصوصا الاستخدام المتزايد للشيشة. وكلما نظرنا حولنا في الشوارع يتضح تزايد شعبية الشيشة في مصر. وكشفت هذه الدراسة أن نسبة 16.5% من الطلاب يستخدمون منتجات التبغ، وهو انتشار أعلى مما وجد لدى البالغين. وثلاثة أرباع هؤلاء المستخدمين يجمعون بين استخدام كلا من السجائر والشيشة. إن تدخين الشيشة يعتبر نشاطاً اجتماعياً جذاباً يحفز على المشاركة فيه ضغط الأقران. وهذا يقود إلى مسار خطير لإدمان التبغ للجميع، بمن فيهم النساء والفتيات.
من المؤسف والمثير للدهشة أن الطلاب ينفقون 54% من دخلهم على منتجات التبغ، مما يكشف إقبالهم على هذا الإدمان أكثر من إقبالهم على الأنشطة الأوفر صحة. ومن الواضح أن هناك حاجة إلى بذل جهود حثيثة لحماية الشباب في مصر من أخطار التبغ.
ماذا يعني كل هذا لمصر؟ في عام 2005 كانت مصر واحدة من الموقعين على "الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية بشأن مكافحة التبغ". منذ ذلك الحين، حققت مصر تقدما مثيرا للإعجاب، وهذا يشمل وضع علامات التحذير على علب السجائر، ورفع الضرائب المفروضة على التبغ. وكان لقيادة وزارة الصحة، ووزارة المالية بجانب غيرهما من الوزارات والمجتمع المدني تقدير طيب في هذه الجهود.
ولكن مع ذلك، تظل هناك تحديات عديدة، البعض منها أبرزته بوضوح هذه الدراسات. إن انتشار التدخين في مصر يبلغ 46% بين الرجال البالغين أما المدخنات الشابات فعددهن آخذ في التزايد. ويتعرض ما يقرب من نصف السكان سلبياً لدخان التبغ في منازلهم. ولا تزال الأماكن العامة غير خالية من التبغ، بما في ذلك المستشفيات ومرافق التعليم. وحتى والآن مازال العديد من الأفلام تظهر الممثلين وهم يدخنون، مما يبدو أمراً مغرياً لإقبال الشباب على التدخين.
هذا يستدعي من السلطات المصرية إدراك أن عليها أن تقوم بالمزيد. والعديد من الشركاء، الذين دعموا هذه الدراسات، ويشاركون اليوم في حفل الإصدار يشيدون بتزايد الإدراك بالحاجة إلى المزيد من الإجراءات للحد من استهلاك التبغ في البلاد.
إن النتائج الهامة المعروضة اليوم فرصة لواضعي السياسات ومجتمع مكافحة التبغ لترجمة البيانات إلى عمل من خلال مراجعة وتحديث السياسات الوطنية والبرامج في المجالات المختلفة لمكافحة التبغ استناداً إلى هذه النتائج.
وتظل الطريقة الأكثر فعالية في الحد من استخدام التبغ دون فقدان الإيرادات هي زيادة فرض الضرائب على منتجات التبغ، بما في ذلك الشيشة، مما يحقق نجاحاً من الجهتين. فالتكلفة الأعلى لمنتجات التبغ تقلل من الاستهلاك، لا سيما في صفوف الشباب والفقراء، بينما تزيد أيضاً من إيرادات الحكومة، والتي يمكن استخدامها بعد ذلك لتعويض ثغرات الميزانية في قطاع الصحة، بما في ذلك دعم خطط تنشيط التأمين الصحي الاجتماعي.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن مصر بحاجة إلى التصدي للتدخين السلبي من خلال تنفيذ أسلوب البيئات الخالية من الدخان من أجل إتاحة أماكن للموطنين خالية من التعرض للتبغ. إن التدخين السلبي يشكل تحديا رئيسيا لمصر. فليس من العدل أن يتعرض الأطفال للتدخين السلبي في المنزل. كما يتحتم أن تكون المستشفيات والمباني الحكومية هي أول الأماكن الخالية من التبغ في البلد.
تستطيع مصر أيضا أن تكافح التجارة غير المشروعة في التبغ بتوقيع وتنفيذ بروتوكول "القضاء على الاتجار غير المشروع بالتبغ". وحظر الإعلان عن التبغ يمكن أن يساعد في الحد من التدخين بين الشباب. إن هذه التدابير تشكل جزءاً من حزمة فعالة لمكافحة التبغ.
إننا نرى أن التخفيف من عبء التبغ يعتبر تحدياً جسيماً ومهمة صعبة، وأن معركة مكافحة التبغ معركة طويلة وشاقة. ولكن من خلال استخدام التدابير التي ثبت بالدليل فعاليتها يمكننا ضمان أن تحقق هذه المعركة في نهاية المطاف مكاسب صحية واقتصادية هامة لمصر، والأهم من ذلك، أنها ستنقذ أرواح العديد من الناس.