7 أيار/مايو 2017 - "تَرَكْت سوريا للحفاظ على أمن عائلتي. ففي بيتي في ريف دمشق، لم أكن قادراً على الذهاب إلى العمل ولا يستطيع أولادي الذهاب إلى المدارس خوفاً من القنابل" هكذا قال محمد، وهو يجلس في المركز الثقافي السوري في القاهرة في مصر، مع ابنه «أُبَيّ» البالغ من العمر 4 سنوات. وبعد ذلك، تغيَّر وجه محمد وهو يقول "لم أستطع أن أصدِّق بعد هروبنا من العنف، أن أصغر أبنائي «أُبَيّ» قد يفقد حياته."
في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، كان «أُبَيّ» يلعب مع أخته الأكبر سناً، بتول، في الطابق الثالث في منزلهم الكائن خارج القاهرة. وكان عطشان وسألها أن تحضر له كوباً من الماء. عندما ذهبت وعادت إليه، لم تجده في الغرفة، ولم تجد البطانية التي كانت معلقة على سور النافذة. فقد سقط أُبَيّ من الطابق الثالث إلى الشارع. وقد شاهده وهو يسقط بائع الخبز الذي كان يمر وقتها. فالتقطه وبدأ يصرخ طلباً للمساعدة. ذهب آخرون يبحثون عن محمد والد أُبَيّ، الذي كان موجوداً في عمله على بُعد شوارع قليلة من المنزل. كان أُبَيّ شبه واعٍ وينزف من الأنف. احتضَن الأب محمد ابنه أُبَيّ، ونقله وهو في شدة الهلع إلى المستشفى. فأوقف إحدى السيارات في الشوارع القريبة، وصرخ في السائق طالباً منه أن ينقله إلى أقرب مستشفى. عندما رأى السائق منظر الطفل المصاب تقيأ من شدة الخوف، وضل الطريق إلى المستشفى، وبدا لنا وقتها أن الوصول إلى المستشفى بات مستحيلاً.
تابع محمد القصة: "قال الطبيب الموجود في غرفة الطوارئ لي إنه لا يمكن إدخال ابني إلى المستشفى لأن المستشفى غير مجهز للتعامل مع الإصابات، إضافة إلى أن العديد من المستشفيات الخاصة، يطلبون قبل إدخال ابني إلى وحدة العناية المركزة، دفع مقدم مالي قدره 5000 جنيه مصري (300 دولار أمريكي)". هذا المبلغ يعتبر ثروة بالنسبة لمحمد الذي فقد كل ما يملك عندما هرب هو وعائلته من سوريا. وقيل له إن ابنه سيموت. طلب محمد المساعدة من المستشفى في الإبقاء على حياة ابنه إلى أن يتمكن من العثور على سيارة إسعاف للذهاب إلى مستشفى آخر.
وأخيراً عثر على سيارة الإسعاف، لكن الطفل أُبَيّ كان قد فقد الوعي، وأصبح يعاني من صعوبة التنفس. عندما اتصل محمد بشقيقته ليطلعها على آخر تطورات الحادثة، أخبرته عن أستاذ «نظير»، وهو شخص مسؤول عن التنسيق للاجئين السوريين في مصر ويسهل لهم الحصول على خدمات الرعاية الصحية الثانوية المغطاة أو المدعومة من منظمة الصحة العالمية، والذي يمكن لمحمد أن يتصل به للحصول على المساعدة. لم يكن محمد يعلم أن نظير كان في طريقه بالفعل إلى المستشفى، بعد أن سمع عن الحادث الذي تعرض له الطفل أُبَيّ من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. نقل المسعفون الطفل إلى المستشفى التخصصي، حيث أظهرت الأشعة السينية والنتائج المختبرية والتصوير بالرنين وجود نزيف في الدماغ، وارتجاج، والعديد من الإصابات الداخلية.
ظل أُبَيّ في المستشفى لمدة 47 يوماً، من بينها 28 يوماً كان في غيبوبة وظل خلالها في وحدة العناية المركزة. في ذلك الوقت، كان أُبَيّ هو اللاجئ السوري الوحيد في المستشفى، ولذا كان يشار إليه باسم «المريض السوري» - ولم يدعه أحد باسمه. في وقت خروج أُبَيّ من المستشفى، كانت قد وقعت اتفاقية تمويل بين منظمة الصحة العالمية وحكومة الكويت، وتم تغطية جميع تكاليف رعاية الطفل من منظمة الصحة العالمية وفقاً لاتفاق مع المراكز الطبية المتخصصة في وزارة الصحة المصرية لتغطية تكاليف العلاج الطبي للحالات المشابهة لحالة أُبَيّ.
في النهاية، قال محمد: "أتصور أن هناك لاجئين سوريين في وضع أسوأ من حالة ابني، ولكن لدي أمل كبير ... وآمل أن يحصل كل محتاج على الدعم اللازم."
منذ بداية الأزمة وحتى الآن، ومن خلال تمويل من حكومة الكويت، غطت منظمة الصحة العالمية تكلفة الرعاية الطارئة لإنقاذ الآلاف من المرضى السوريين في 10 مستشفيات متخصصة في جميع أنحاء مصر. ويشمل هذا الدعم تغطية الخدمات المنقذة للحياة في حالات الطوارئ للنوبات القلبية، وحوادث الطرق، ووحدة العناية المركّزة للبالغين بالإضافة إلى العمليات القيصرية لحالات الولادة المعقدة، والرعاية المركزة لحديثي الولادة للأطفال المبتسرين، والعديد من حالات الطوارئ الأخرى المهددة للحياة. ومن دون هذا التمويل، يستحيل تقديم الرعاية الطبية المتخصصة للاجئين السوريين نظراً للتكلفة المرتفعة. ومن خلال التمويل المرن مثل التمويل الذي وَرَد من حكومة الكويت، استطاعت منظمة الصحة العالمية أن توفر الاستجابة الفورية وأن تكون سبّاقة في تحديد الاحتياجات الصحية العاجلة للاجئين السوريين في مصر.
وهناك اليوم 120154 لاجئ سوري في مصر في حاجة إلى الرعاية الصحية. وكجزء من خطة الاستجابة والصمود لعام 2017 للاجئين السوريين، يطلب قطاع الصحة في مصر 15 مليون دولار أمريكي، منها 1.75 مليون دولار تطلبه منظمة الصحة العالمية.