هل يصل فيروس زيكا إلينا؟
الدكتور علاء الدين العلوان
المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط
قبل ثلاثة أشهر، لم يكن معظم الناس قد سمعوا مطلقاً عن فيروس زيكا، واليوم أصبحت أخباره تتصدَّر عناوين الصحف يوميا. وفي مطلع هذا الشهر، أعلنت منظمة الصحة العالمية "طارئةً صحيةً عموميةً تسبِّب قلقاً دولياً". وتنعت المنظمة بهذا الوصف الأحداث الاستثنائية التي تعرِّض الصحة العمومية للخطر على الصعيد الدولي، وتشكِّل خطراً على دولٍ أخرى عن طريق الانتشار الدولي للمرض، وقد تقتضي استجابةً دوليةً منسَّقة.
وهذه هي المرة الرابعة فقط في تاريخ المنظمة التي تضفي فيها هذا الوصف على إحدى الفاشيات.
وعلى الرغم من أن فيروس زيكا معروفٌ لدينا منذ عام 1947 فإنه لم يصبح منذراً بالخطر إلا الآن، حيث أن المناطق حديثة العهد بالإصابة بفيروس زيكا تشهد هذه المرة زيادةً في المجموعات التي تعاني من صِغَر حجم الرأس بين المواليد وغيرها من الاضطرابات العصبية. وهو أمرٌ مثير للقلق. وفي هذه المرحلة، لا يمكننا تأكيد أن الفيروس هو السبب في حدوث تلك الاضطرابات، إلا أنه بسبب عدم توافر تفسير آخر واضح حتى الآن لحدوث هذه المجموعات، فإن المنظمة تحث الجميع على اتخاذ تدابير مشدَّدة للحدِّ من العدوى بفيروس زيكا، وخصوصاً بين الحوامل والنساء اللاتي في سن الإنجاب.
وغالبية المصابين بفيروس زيكا الذين تظهر عليهم الأعراض، يشعرون فقط بالحمى المعتدلة والطفح الجلدي والتهاب الملتحمة (احمرار العين) وآلام العضلات والمفاصل.
وينتشر فيروس زيكا عن طريق البعوضة الزاعجة المصرية، وهي نفس النوع من البعوض الذي ينقل حمى الضنك والحمى الصفراء وحمى غرب النيل والشيكونغونيا. وتوجد هذه البعوضة في العديد من بلدان منطقة الشرق الأوسط. ولذلك، ففي حالة إصابة المسافرين العائدين من البلدان المصابة بعدوى الفيروس، يمكن للبعوض هنا البدء في نشر المرض.
يلدغ هذا البعوض نهاراً على عكس البعوض الناقل للملاريا الذي يميل إلى اللدغ من وقت حلول الظلام حتى مطلع الفجر. وتفضِّل هذه الأنواع من البعوض فيما يبدو حياة المدن وتتكاثر في تجمُّعات المياه الراكدة الصغيرة، لذلك من المهم تفريغ أي حاويات بها مياه راكدة، حيث تكون غالباً بمثابة أماكن لتكاثر البعوض.
وبسبب عدم توافر علاج أو لقاح محدَّد في الوقت الحالي، فإن أفضل صورة من صور الوقاية هي الحماية من التعرُّض للدغات البعوض.
ولحماية سكان الشرق الأوسط ، تحث منظمة الصحة العالمية كافة البلدان على:
تعزيز الترصُّد للاكتشاف المبكر للعدوى بفيروس زيكا، وخصوصاً بين المسافرين العائدين من البلدان التي ينتشر فيها الفيروس حالياً.
التيقُّظ لظهور أي زيادة في عدد الأطفال المولودين حديثاً بعيوب خِلقية أو متلازمات عصبية، في غياب سبب طبي واضح.
تعزيز الترصُّد في البلدان التي توجد فيها البعوضة الزاعجة المصرية، وذلك من أجل اكتشاف الكثافات المرتفعة من تجمُّعات البعوض.
توسيع نطاق الأنشطة الرامية إلى الحدِّ من مصدر تجمعات البعوض، وخصوصاً أماكن التكاثر مثل المياه الراكدة، من خلال الرشّ.
باتِّخاذ هذه الخطوات للوقاية من لدغات البعوض، يمكن الحماية من الإصابة بفيروس زيكا.
هذا المقال منشور في الأصل بالإنكليزية
أفريقيا: حان وقت إيصال اللقاحات المنقذة للحياة إلى جميع الأطفال
إعداد الدكتورة ماتشيديسو مويتي والدكتور علاء الدين العلوان
تحظى القارة الأفريقية بفرصة ذهبية لتوفير حياة أفضل لجميع أطفالها، ونحن نعلم تماماً سُبُل الاستفادة منها، ولا يكون ذلك إلا من خلال: توفير الإتاحة الشاملة لخدمات التمنيع في شتى أنحاء القارة لحماية الأطفال من الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات. وقد رأينا ثمة تأثيراً أحدث تحولاً في الجهود الرامية إلى إيصال اللقاحات المنقذة للحياة إلى مزيد من الأطفال، إذ انخفضت وفيات الأطفال عن نصف معدلاتها في الجيل الماضي، ويعود السبب في ذلك لأمور منها استخدام التدخلات عالية المردود مثل التمنيع. ولم يظهر شلل الأطفال، الذي تسبب في إصابة الأطفال في جميع البلدان بالشلل، في أي مكان بالقارة منذ أكثر من عام. وبسبب اللقاح الجديد المضاد لالتهاب السحايا، يعيش مئات الملايين من البشر حالياً بلا أدنى خوفٍ من الإصابة بتلك العدوى المهدِّدة للحياة التي اجتاحت أرجاء المنطقة المعروفة باسم "حزام التهاب السحايا" بالقارة الأفريقية.
وللتمنيع فوائد جمَّة تتجاوز حدود قطاع الصحة؛ فعند تطعيم الأطفال، تقل الأمراض بينهم، ومن ثَمَّ تنخفض تكاليف الرعاية الصحية التي تتكبدُها الأُسر والنُظُم الصحية. كما أن الأطفال الذين يحصلون على اللقاحات تزيد حظوظهم لمواصلة التعليم، ما يعزز الآفاق الاقتصادية لهم ولمجتمعاتهم. ومن هنا، يُعتبر التمنيع واحدةً من أعلى الاستراتيجيات مردودية في تحسين مستويات المعيشة ووضع البلدان على الطريق نحو إدراك إمكاناتها الاقتصادية.
وما يدعو للأسف أن عدداً كبيراً من الأطفال في أفريقيا يفتقرون إلى خدمات التمنيع الأساسية؛ إذ إن هناك طفل من بين كل خمسة أطفال بالقارة لا يحصل على اللقاحات التي يحتاج إليها. وعالمياً، تمتلك أفريقيا أدنى مستوى من مستويات التغطية بالتمنيع لأي منطقة؛ فأكثر من نصف الرضَّع غير الحاصلين على التمنيع في العالم يوجدون في خمسة بلدان أفريقية.
ولبلورة الإجراءات التي يمكن اتخاذها في هذا الصدد، يستضيف مكتبا منظمة الصحة العالمية لإقليمي أفريقيا وشرق المتوسط، بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي وشركاء آخرين، المؤتمر الوزاري الأول حول التمنيع في أفريقيا، والذي سوف يُعقد في أديس أبابا يومي 24-25 شباط/فبراير 2016.
ويمثل هذا المؤتمر لحظة بارزة، إذ يجتمع للمرة الأولى وزراء الصحة والتمويل وقطاعات أخرى من شتى أنحاء القارة لإعلان التزامهم بتعزيز خدمات التمنيع، ووضع الإتاحة الشاملة للتمنيع على رأس الجهود المبذولة لتحسين الصحة ودفع عجلة التنمية المستدامة. وسبب إقبال هؤلاء القادة على اتخاذ تلك الخطوة الآن هو علمهم بأن اللقاحات استثمارٌ ذكي وأن بلدانهم تستطيع، بل يجب عليها، أن تبذل مزيداً من الجهود في هذا المضمار.
والمزايا الاقتصادية للتطعيم واضحة، غير أن أقل من 20 من البلدان في أفريقيا حالياً تموِّل أكثر من 50% من نفقاتها على التمنيع. وقد مكَّنت المساعدات السخية التي قدمتها الجهات المانحة الخارجية، ولاسيّما على مدار العقد الماضي، البلدان الأفريقية على تعزيز برامج التمنيع وإدخال لقاحات جديدة. ومع استمرار أهمية الدعم المقدَّم من الجهات المانحة، بينما تواصل البلدان الأفريقية نموها الاقتصادي، فإن هدفنا المشترك لابد أن يتمثل في تحمُّل جميع الحكومات مسؤولية تمويل برامجها الوطنية المعنية بالتمنيع تمويلاً كاملاً.
وثمة أمر بالغ الأهمية، وهو انضمام ممثلي المجتمع المدني والقيادات الدينية إلى الوزراء في اجتماعهم في أديس أبابا، وذلك لأن إيصال اللقاحات للأطفال يتطلب ما هو أكثر من الدعم الحكومي، والوصول إلى مزيد من الأطفال يستلزم أيضاً أن يفهم الآباء والأمهات قيمة التمنيع، وأن يعطوا الأولوية لحصول أطفالهم على اللقاحات. وينبغي أن يتعاون المجتمع بأسره في التخطيط لأنشطة التمنيع، لكي تحمل الأسر أطفالها إلى العاملين الصحيِّين عند وصولهم لتقديم اللقاحات.
وأكثر المجموعات التي نحتاج إلى مشاركتها هي المجموعات التي طالما عانت من نقص الخدمات، والتي بها النُظُم الصحية الأضعف. فالأطفال الذين حصل آباؤهم على قسط غير كافٍ من التعليم أو لم يتعلموا من الأساس أو دخلهم غير كافٍ أو معدومي الدخل، هم الفئة الأقل حظاً للحصول على ما يحتاجونه من لقاحات. وفي المناطق الفقيرة والنائية، تكون النُظُم الصحية التي تقدِّم اللقاحات وغيرها من الخدمات الصحية الأساسية إما ضعيفة أو غائبة.
ونحن متفائلون بأن القارة الأفريقية قادرة على النهوض لمواجهة هذه التحديات، لأسباب منها النجاح الذي تحقق في مكافحة شلل الأطفال. فالقيادات الحكومية على جميع المستويات ملتزمة بتقديم لقاحات شلل الأطفال لكل من يحتاجون إليه. وقد اشتركت القيادات الدينية والمجتمعية في العمل على بناء الثقة لدى الآباء والأمهات. وقد ركز برنامج شلل الأطفال على الوصول إلى جميع الأطفال على الرغم من أي ظروف بالغة الصعوبة، بما فيها الصراعات.
وقد ساهمت جهود وقف انتقال شلل الأطفال في تقوية البنية التحتية وتعزيز الخبرات المطلوبة لإيصال اللقاحات المضادة لجميع الأمراض إلى الأطفال. أما البلدان التي تواصل تصديها لشلل الأطفال، فلديها تجهيزات أفضل للحفاظ على اللقاحات باردة، وتزخر بمزيد من العاملين الصحيِّين المدرَّبين والنُظُم الصحية العاملة لرصد انتشار المرض. وإذا ما استثمرت البلدان في حفظ هذه البنية التحتية، فلسوف تحافظ على خلوِّها من شلل الأطفال وتمضي نحو التصدي إلى أولويات أخرى.
وفوائد التمنيع بالنسبة لأفريقيا لم تكن أكثر وضوحاً في أي وقت مضى، وذلك في وقت أصبحت فيه الإتاحة الشاملة للتمنيع هدفاً يمكن تحقيقه. ونحن نتطلع إلى اجتماع القيادات من شتى القطاعات والبلدان يومي 24 و25 شباط/فبراير لاتخاذ إجراءات شجاعة من أجل ضمان حصول كل أطفال أفريقيا على اللقاحات التي يحتاجونها لكي ينعموا بحياة صحية ومُنتِجة.
نبذة عن المؤلفين
الدكتورة ماتشيديسو مويتي، مديرة منظمة الصحة العالمية للإقليم الأفريقي - أحد الخبراء المحنكين في مجال الصحة العمومية وتتمتع بخبرةٍ تربو على 35 عاماً من العمل على الصعيد الوطني والدولي، وهي أول امرأة تشغل منصب المدير الإقليمي لأفريقيا.
الدكتور علاء الدين العلوان، مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط - قبل توليه منصبه الحالي، شغل منصب المدير العام المساعد للأمراض غير السارية والصحة النفسية بالمقر الرئيسي لمنظمة الصحة العالمية، وأيضاً منصب المدير العام المساعد للعمل الصحي إبّان الأزمات، كما سبق له أن تولى حقيبة وزارة الصحة في الحكومة العراقية.
هذا المقال منشور في الأصل بالإنكليزية